فصل: سنة عشرين ومائة وألف:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ الجبرتي المسمى بـ «عجائب الآثار في التراجم والأخبار» (نسخة منقحة)



.سنة عشرين ومائة وألف:

ورد قبودان يسمى جانم خوجه رئيس المراكب، وطلع إلى الديوان ومعه بقية الرؤساء، فلما أجتمع بالباشا أبرز له مرسوماً بتجهيز علي باشا إلى الديار الرومية، فجهز في ثامن عشرينه، ونزل بموكب فيه حسين باشا والصناجق والآغوات وأتباعهم، ونزل في السفائن وسافر في أوائل ربيع الأول.
وفي ثامن عشر شوال أجتمع عسكر بالديوان وأنهوا إلى الباشا أن محمد بك حاكم جرجا أنزل عربان المغاربة وأمنهم، وهذا يؤدي إلى الفساد، فعزلوه وولوا آخر اسمه محمد من أتباع قيطاس بك جعلوه صنجقاً وألبسوه على جرجا وهو الذي عرف بقطامش وستأتي أخباره.
وفي تاسع عشر شوال ورد محسن زاده أخو كتخدا الوزير أدخله حسين باشا بموكب حفل وطلع إلى القلعة،وأبرز مرسوماً بعزل ايواز بك وتولية محمد باشا محسن زاده في منصبه، فأنزله في غيظ قراميدان إلى أن سافر صحبة الحاج الشريف.
ومن الحوادث أن في يوم الاثنين رابع عشر القعدة سنة عشرين ومائة وألف وقف مملوك لرجل يسمى محمد آغا الحلبي على دكان قصاب بباب زويلة ليشتري منه لحماً، فتشاجر مع حمار عثمان أوده باش البوابة، فأعلم عثمان بذلك فأرسل أعوانه وقبضوا على ذلك المملوك وأحضروه إليه. فأمر بحبسه في سجن الشرطة، فلما بلغ محمد جاويش سجن مملوكه حضر هو وأولاده وأتباعه إلى باب صاحب الشرطة لخلاص، مملوكه فتفاوضا في الكلام وحصل بينهما مشاجرة، فقبض عثمان أوده باشا على محمد جاويش المذكور وأودعه في السجن وركب إلى باش أوده باشا، وهو إذ ذاك سليمان ابن عبد الله، وطلع إلى كتخدا مستحفظان وعرض القصة، فلم يرضوا له بذلك وأمروه بإطلاقه، فرجع وأخرج محمد جاويش ومملوكه من السجن، وركب، ففي ثاني يوم الحادثة اجتمعت طائفة الجاويشية مع طائفة المتفرقة والثلاث بلكات الاسباهية والأمراء والصناجق والآغوات في الديوان، وطلبوا نفي عثمان أوده باشا المذكور، فلم توافقهم الينكجرية على ذلك، فطلعوا إلى الديوان وطلبوا عثمان المذكور للدعوى عليه، فحضر وأقيمت الدعوى بحضرة الباشا والقاضي. فأمر القاضي بحبس عثمان كما حبس محمد جاويش، فلم يرض الأخصام بذلك، وقالوا ألا بد من عزله ونفيه، فلم توافقهم الينكجرية فطلب العسكر من الباشا أمراً بنفيه، فتوقف في ذلك فنزلوا مغضبين واجتمعوا بمنزل كتخدا الجاويشية، وأنزلوا مطبخهم من نوية خاناه إلى منزل كتخدا الجاويشية صالح آغا وأقاموا به ثلاثة أيام ليلاً ونهاراً، وامتنعوا من التوجه إلى الديوان، ثم أجتمع أهل البلكات وتحالفوا أنهم على قلب رجل واحد، واتفقوا على نفي عثمان أوده باشا ثم اجتمعوا على الصناجق واتفقوا أن يكونوا معهم على طائفة الينكجرية لأنهم لم يعتبروهم. وأرسل الاسباهية مكاتبات لأنفارهم المحافظين مع الكشاف بالولايات يأمرونهم بالحضور. وفي ذلك اليوم عزل أوده باش البوابة وولي خلافه.
وفي يوم الجمعة ثامن عشري الشهر حضر إلى طائفة الينكجرية من أخبرهم أن العسكر يريدون قتالهم، فأرسلوا القابجية إلى أنفارهم ليحضروا إلى الباب بآلة الحرب، فاجتمعوا وانزعج أهل الأسواق وقفل غالبهم دكاكينهم، ثم اطمأنوا بعد ذلك وجلسوا في دكاكينهم. واستمر أهل الوجاقات الستة يجتمعون ويتشاورون في أبوابهم وفي منزل محمد آغا المعروف بالشاطر ومنزل إبراهيم بك الدفتردار، وأما الينكجرية فأنهم كانوا يجتمعون بالباشا فقط.
وفي يوم الأحد رابع عشر ذي الحجة قدم محمد بك الذي كان بالصعيد في جند كثيف وأتباع كثيرة وطلع إلى ديوان مصر على عادة حكام الصعيد المعزولين ولبس الخلع السلطانية ونزل إلى بيته بالصليبة.
ثم أن أهل الوجاقات الست اجتمعوا واتفقوا على أبطال المظالم المتجددة بمصر وضواحيها وكتبوا ذلك في قائمة، واتفقوا أيضاً أن من كان له وظيفة بدار الضرب والانبار والتعريف بالبحرين أو المذبح لا يكون له جامكية في الديوان ولا ينتسب لوجاق من الوجاقات، وأن لا يحتمي أحد من أهل الأسواق في الوجاقات، وأن ينظر المحتسب في أمورهم ويحرر موازينهم على العادة، وأن يركب معه نائب من باب القاضي مباشرا معه وأن لا يتعرض أحد للمراكب التي ببحر النيل التي تحمل غلال الانبار، وأن يحمل الغلال المذكورة جميع المراكب التي ببحر النيل. ولا تختص مركب منها بباب من أبواب الوجاقات، وأن كل ما يدخل مصر من بلاد الأمناء باسم الأكل لا يؤخذ عليه عشر، وأن لا يباع شيء من قسم الحيوانات والقهوة إلى جنس الإفرنج، وأن لا يباع الرطل البن بأزيد من سبعة عشر نصفاً فضة. وأرسلوا القائمة المكتتبة إلى الباشا ليأخذوا عليها بيورلدي وينادي به في الأسواق. فتوقف الباشا في إعطاء البيورلدي، ولما بلغ الإنكشارية ما فعل هؤلاء اجتمعوا ببابهم وكتبوا قائمة نظير تلك القائمة بمظالم الخردة ومظالم اسباهية الولايات وغيرها، وأرسلوها إلى الباشا، فعرضها على أهل الوجاقات، فلم يعتبروها، وقالوا لابد من أجراء قائمتنا وأبطال ما يجب أبطال منها من المظالم.
وفي يوم الأحد حادي عشري الحجة اجتمع أهل الوجاقات ومعهم الصناجق بباب الغرب وقاضي العسكر ونقيب الأشراف بالديوان عند الباشا، وأرسلوا إلى الباشا أن يكتب لهم بيورلدي بأبطال ما سألوه فيه والمناداة به، وأن لم يفعل ذلك أنزلوه ونصبوا عوضه حاكماً منهم. وعرضوا ذلك على الدولة فلما تحقق الباشا منهم ذلك كتب لهم ما سألوه وكتب لهم القاضي أيضاً حجة على موجبة، ونزل بهما المحتسب وصاحب الشرطة ونائب القاضي وآغا من أتباع الباشا، ونادوا بذلك في الشوارع. وفي غاية الحجة سنة عشرين، كسف جرم الشمس في الساعة الثامنة واستمر سبع عشرة درجة ثم انجلت.

.سنة إحدى وعشرين ومائة وألف:

وفي يوم السبت رابع محرم سنة إحدى وعشرين ومائة وألف، أجتمع الينكجرية عند آغاتهم وتحالفوا أنهم على قلب رجل واحد، واجتمع أنفارهم جميعاً بالغيط المعروف بخمسين كتخدا وتحالفوا كذلك.
وفي سابعه أجتمع أهل الوجاقات بمنزل إبراهيم بك الدفتردار وتصالحوا، على أن يكونوا كما كانوا عليه من المصافاة والمحبة بشرط أن ينفذوا جميع ما كتب في القائمة ونودي به ولا يتعرضوا في شيء منه، فلم يستمر ذلك الصلح.
وفي ليلة السبت حادي عشرة وقع في الجامع الأزهر فتنة بعد موت الشيخ النشرتي، وسيأتي ذكرها في ترجمة الشيخ عبد الله الشبراوي، ثم أن الينكجرية قالوا لا نوافق على نقل دار الضرب إلى الديوان حتى تكتبوا لنا حجة بأن ذلك لم يكن لخيانة صدرت منا ولا تخوف عليها، فامتنع أخصامهم من إعطاء حجة بذلك ثم توافق أهل البلكات الست على أن يعرضوا في شأن ذلك إلى باب الدولة، فإن أقرها في مكانها رضوا به وأن أمر بنقلها نقلت، فاجتمعوا هم ونقيب الأشراف ومشايخ السجاجيد وكتبوا العرض المذكور، ووضعوا عليه ختومهم، ما عدا الينكجرية، فإنهم امتنعوا من الختم، ثم أمضوه من القاضي وأرسلوه مع أنفار من البلكات وآغا من طرف الباشا في سادس عشري المحرم سنة إحدى وعشرين ومائة وألف. وأما الينكجرية فأنهم اجتمعوا ببابهم وكتبوا عرضاً من عند أنفسهم إلى أرباب الحل والعقد من أهل وجاقهم بالديار الرومية، وعينوا للسفرية علي أفندي كاتب مستحفظان سابقاً وأحمد جربجي وجهزوهم للسفر، فسافروا في يوم الاثنين سابع عشرينه.
وفي ثالث عشر ربيع الأول تقلد إمارة الحاج قيطاس بك مقرراً على العادة في صبيحية المولد النبوي في كل سنة، وكان أشيع أن بعض الأمراء سعى على منصب إمارة الحج فلما بلغ الينكجرية ذلك، اجتمعوا ببابهم لابسين سلاحهم وجلسوا خارج الباب الكبير على طريق الديوان، بناء على أنه أن لبس شخص إمارة الحج خلاف قيطاس بك لا يمكنوه من ذلك. فلما رأى الصناجق والأمراء ذلك منهم خافوهم، وقالوا هذه أيام تحصيل الخزينة ونخشى وقوع أمره من هؤلاء الجماعة إلى تعطيل المال، فاجتمع رأي الصناجق وأهل الوجاقات الست على نفي ستة أشخاص من الينكجرية الذين بيدهم الحل والعقد ويخرجونهم من مصر إلى بلاد التزامهم تسكيناً للفتنة، حتى يأتي جواب العرض. فلما بلغ الينكجرية ما دبروه، اجتمعوا في بابهم في عددهم وعددهم، فلم يلتفتوا إلى فعلهم، وقالوا: لابد من نفيهم أو محاربتهم. واجتمعوا كذلك في أبوابهم، واستعد الينكجرية في بابهم وشحنوه بالأسلحة والذخيرة والمدافع، فحصل لأهل البلد خوف وانزعاج وأغلقوا الدكاكين، وذلك سابع عشر ربيع الأول ونقل الجاويشية مطبخهم من القلعة من النوبة إلى منزل كتخدا الجاويشية، وأقام طائفة الينكجرية منهم طوائف محافظين على أبواب القلعة وباب الميدان والسحراء الذي بالمطبخ الموصل إلى القرافة، خوفاً من أن العسكر يستميلون الباشا وينزلونه الميدان، لأنهم كانوا أرسلوا له كتخدا الجاويشية وطلبوا منه النزول إلى قراميدان ليتداعوا مع الينكجرية على يد قاضي العسكر، فلم تمكنهم الينكجرية من ذلك وحصل لكتخدا الجاويشية ومن معه مشقة في ذلك اليوم من المذكورين عند عودهم من عند الباشا، وما خلصوا إلا بعد جهد عظيم.
وفي يوم الخميس عشري ربيع الأول أجتمع الصناجق والعسكر واختاروا محمد بك الذي كان بالصعيد لحصار القلعة من جهة القرافة على جبل الجيوشي بالمدافع والعسكر، ففعل ما أمروا به وخافت العسكر وقوع نهب بالمدينة فعينوا مصطفى آغا أغات الجراكسة يطوف في أسواق البلد وشوارعها. كما كان يفعل في زمن عزل الباشا.
وفي يوم السبت ثاني عشرينه أجتمع الأمراء الصناجق والاسباهية بالرميلة وعينوا أحمد بك المعروف بإفرنج أحمد آغات التفكجية ليحاصروا طائفة الينكجرية من بابهم المتوصل منه إلى المحجر وباب الوزير ويمنعوا من يصل إليهم بالإمداد. وأما الينكجرية الذين كانوا بالقاهرة فاجتمعوا بباب الشرطة واتفقوا على أن يدهموا العسكر المحافظين بالباب ويكشفوهم ويدخلوا إلى باب الينكجرية. فلما بلغ الصناجق ذلك والعسكر، عينوا إبراهيم الشهير بالوالي ومصطفى آغات الجبجية في طائفة من الاسباهية، فنزلوا إلى باب زويلة، ولما بلغ خبرهم الينكجرية الذين كانوا تجمعوا في باب الشرشة تفرقوا، فجلس مصطفى آغا محل جلوس الاوده باشا وإبراهيم بك في محل جلوس العسس، وانتشرت طوائفهم في نواحي باب زويلة والخرق، واستمروا ليلة الأحد على هذا المنوال، فطلع في صبحها نقيب الأشراف والعلماء وقاضي العسكر وأرباب الاشاير واجتمعوا بالشيخونيتين بالصليبة وكتبوا فتوى بأن الينكجرية إن لم يسلموا في نفي المطلوبين وإلا جاز محاربتهم، وأرسلوا الفتوى صحبة جوخدار من طرف القاضي إلى باب الينكجرية، فلما قرأت عليهم تراخت عزائمهم وفشلوا عن المحاربة وسلموا في نفي المطلوبين بشرط ضمانهم من القتل، فضمنهم الأمراء الصناجق وكتبوا لهم حجة بذلك، فلما وصلتهم الحجة انزلوا الأنفار الثمانية المطلوبين إلى أمير اللواء ايواز بك ورضوان آغا، فتوجها بهم إلى بولاق، ومن هناك سافروا إلى بلاد الريف.
وفي يوم تاسع عشر ربيع الأخر ورد أمير اخوز صغير من الديار الرومية وطلع إلى القلعة وأبرز مرسومين فرثا بالديوان بمحضر الجميع أحدهما بأبطال المظالم والحمايات بموجب القائمة المعروضة من العسكر ونفي عطاء الله المعروف ببولاق وأحمدجلبي بن يوسف آغا، وأن يحاسبوا تجارة القهوة على مرابحة العشرة اثني عشر بعد رأس المال والمصاريف، والأمر الثاني بنقل دار الضرب من قلعة الينكجرية إلى حوش الديوان، وبناء قنطرة اللاهون بالفيوم وأن يحسب ما يصرف عليهما من مال الخزينة العامرة. وفي يوم تاريخه برز أمر من الباشا برفع صنجقية أحمد بك الشهير بإفرنج أحمد بك وإلحاقه بوجاق الجملية. وفي يوم السبت أجتمع أعيان مستحفظان بمنزل أحمد كتخدا المعروف بشهر اغلان وأرسلوا خلف إفرنج أحمد وتصالحوا معه وتعاهدوا على الصدق، وأن لا يغدرهم ولا يغدروه. ومضوا معه إلى الباب الجملي وأخذوا عرضه وركب الحمار في يوم الأحد وطلع إلى باب مستحفظان في جم غفير من الأوده باشية، وتقرر باش أوده باشا كما كان سابقاً وعاد إلى منزله.
وفي غاية الشهر رجع الأنفار الثمانية المنفيون وأخرجوهم من وجاق الينكجرية ووزعوهم على أهل الوجاقات باطلاع الأمراء الصناجق والآغوات.
وفي أوائل جمادى الأولى أرسل القاضي فأحضر مشايخ الحرف، وعرفهم أنه ورد أمر يتضمن أن لا يكون لأحد من أرباب الحرف والصنائع علاقة ولا نسبة في أحد الوجاقات السبع، فأجابوه بأن غالبهم عسكري وابن عسكري وقاموا على غير امتثال، ثم بلغ القاضي أنهم أجمعوا على إيقاع مكروه به، فخافهم وترك ذلك وتغافل عنه ولم يذكره بعد.
وفي هذه السنة أبطل الينكجرية ما كانوا يفعلونه من الاجتماع بالمقياس وعمل الاسمطة والجمعيات وغيرها عند تنظيفه.
وفي منتصف جمادى الثانية تم بناء دار الضرب التي أحدثوها بحوش الديوان وضرب بها السكة، وكان محلها قبل ذلك معمل البارود، ونقل معمل البارود إلى محل بجوارها. وفيه لبس إبراهيم بك أبو شنب أميراً على الحج عوضاً عن قيطاس بك، وتولى قيطاس بك دفتردارية مصر عوضاً عن إبراهيم بك بموجب مرسوم بذلك من الأعتاب.
وفي تاسع عشر رمضان ورد الخبر بعزل حسين باشا وولاية إبراهيم باشا القبودان، ووردت منه مكاتبة بأن يكون حسين باشا نائباً عنه إلى حين حضوره، ولم يفوض أمر النيابة إلى أحد من صناجق مصر كما هو المعتاد وفي شهر شوال الموافق لكيهك القبطي ترادفت الأمطار وسالت الأودية حتى زاد بحر النيل بمقدار خمسة أذرع وتغير لونه لكثرة ممازجة الطفل للماء في الأودية، واستمرت الأمطار تنزل وتسكب إلى غاية الشهر وكان ابتداؤها من غرة رمضان.
وفي منتصف ذي القعدة نزل حسين باشا من القلعة بموكب عظيم وأمامه الصناجق والآغوات إلى منزل الأمير يوسف آغا دار السعادة بسويقة عصفور، ووصل إبراهيم باشا القبو دان وطلع إلى القلعة في منتصف الحجة.

.سنة اثنتين وعشرين ومائة وألف:

وفي منتصف محرم سنة اثنين وعشرين ومائة وألف، اجتمع أهل البلكات السبعة بسبيل علي باشا بجوار الإمام الشافعي واتفقوا على نفي ثلاثة أنفار من بينهم، فنفوا في يوم الخميس من اختيارية الجاويشية قاسم آغا وعلي أفندي كاتب الحوالة، ومن وجاق المتفرقة علي أفندي المحاسبجي، وسببه أنهم اتهموا بأنهم يجتمعون بالباشا في كل وقت ويعرفونه بالأحوال، وأنهم أغروه بقطع الجوامك المكتتبة بأسماء أولاد وعيال المحلول عنهم، وأن العسكر راجعوه في ذلك فلم يوافقهم على ذلك، وأيضاً راجعه الاختيارية المرة بعد المرة، فقال لا أسلم إلا الوجاقات السبعة، فمن نقل اسمه فأني لا أعارضه،فرضوا بذلك وأخذوا منه فرماناً، فورد بعد ذلك سلحدار الوزير وعلى يده أوامر بأبطال المرتبات وأن من عاند في ذلك يؤدبه الحاكم، فأذعنوا بالطاعة، فأراد الباشا نفي الثلاثة أنفار من اختيارية العزب فلم توافق العسكر، ثم اتفق العسكر على كتابة عرض بالاستعطاف بإبقاء ذلك، وسافر به سبعة أنفار من الأبواب السبعة.
وفي يوم الخميس غاية ربيع الأول تقلد الأمير ايواز بك إمارة الحج عوضاً عن إبراهيم بك لضعف مزاجه ووهن قوته.
وفي أوائل جمادى الأولى سنة اثنتين وعشرين ومائة وألف، ورد من الديار الرومية مرسوم قرئ بالديون مضمونه أن وزن الفضة المصرية زائد في الوزن عن وزن اسلامبول، والأمر بقطع الزائد، وأن تضرب سكة الجنزرلي ظاهرة ويحرر عياره على ثلاثة وعشرين قيراطاً.
وفي ثاني رجب حصلت زلزلة في الساعة الثامنة. وفيه ورد مرسوم بإبقاء المرتبات التي عرض في شأنها كما كانت ولكن لا يكتب بعد اليوم في التذاكر أولاد وعيال ولا ترتب على جهة وقف.
وفي خامس عشرة ورد عزل إبراهيم باشا وولاية خليل باشا وإقامة أيوب بك قائمقام، ونزل إبراهيم باشا من القلعة إلى منزل عباس آغا ببركة الفيل فكانت مدته ثمانية أشهر، ووصل خليل باشا الكوسنج وكان بصيدا من أعمال الشام، فقدم بالبر يوم الثلاثاء عاشر شعبان سنة اثنتين وعشرين ومائة ألف.
وفي ثاني عشر ذي القعدة ورد أمر بطلب ثلاثة آلاف من العسكر المصري وعليهم صنجق لسفر الموسقو، وكانت النوبة على محمد بك حاكم جاجاحالا فتعذر سفره، فأقيم بدله إسمعيل بك تابع ذي الفقار بك، فقلدوه الصنجقية وأمده محمد بك بأربعين كيساً مصرية، وجعله بدلاً عنه وألبس القفطان ثاني عشر الحجة.

.سنة ثلاثة وعشرين ومائة وألف:

ودخلت سنة ثلاث وعشرين ومائة وألف، واستهل المحرم بيوم الخميس الموافق الرابع عشر أمشير القبطي، سابع شباط الرومي، وفي ذلك اليوم انتقلت الشمس لبرج الحوت. وفيه نزل إسمعيل بك بموكب وشق في وسط القاهرة إلى بولاق وسافر بالعسكر في منتصف المحرم.
وفي يوم الجمعة سادس عشرة أجتمع طائفة مصطفى كتخدا القازدغلي ومعه من أعيان الينكجرية خمسة عشر نفراً، واتفقوا أنهم لا يرضون إفرنج أحمد باش اوده باشا، فإما يلبس الضلمة أو يكون جربجياً في الوجاق، وإن لم يرض بأحد الأمرين يخرج المذكورون من الوجاق ويذهبون إلى أي وجاق شاؤوا. وكان الاجتماع بباب العزب وساعدهم على ذلك أرباب البلكات الستة وصمموا أيضاً على رجوع الثمانية أنفار الذين كانوا أخرجوهم من باب الينكجرية، ومشت الصناجق بينهم والاختيارية، وصاروا يجتمعون تارة بمنزل قيطاس بك الدفتردار وتارة بمنزل إبراهيم بك أمير الحج سابقاً، ثم اجمع رأي الجميع على نقل الثمانية أنفار المذكورين ومن أنضم إليهم من الوجاقات إلى باب العزب، وأن يخرجوا أنفاراً كثيرة من مصر منفيين منهم ثلاثة من الكتخدائية وعشرة من الجربجية والباقي ممن الينكجرية وعرضوا في شأن ذلك للباشا، فاتفق الأمر على أن من كان منهم مكتوباً لسفر الموسقو فليذهب مع المسافرين، ومن لم يكن مكتوباً فيعطى عرضه ويذهب إلى باب العزب. وحضر كاتب العزب والينكجرية في المقابلة واخرجوا من كان اسمه في السفر، وما عداهم أعطوهم عرضهم وتفرقوا عن ذلك. ووقع الحث على سفر من خرج اسمه في المسافرين وعدم إقامتهم بمصر وان يلحقوا بالمسافرين بثغر الإسكندرية.
وفي ثالث عشر صفر قدم ركب الحاج صحبة أمير الحاج ايواز بك. وفيه اجتمع حسن جاويش القزدغلي الذي كان سردار القطار والأمير سليمان جربجي تابع القزدغلي سردار الصرة وإبراهيم جربجي سردار جداوي، وطلبوا عرضهم من باب مستحفظان فذهب إليهم اختيارية بابهم واستعطفوهم فلم يوافقوهم، ثم طلب موسى جربجي تابع بن الأمير مرزا أن يخرج أيضاً من الوجاق وينقلوا اسمه من الجملية فلم يوافقه رضوان آغا، فذهب موسى جربجي إلى إبراهيم بك وايواز بك وقيطاس بك وسألهم أن يتشفعوا له في ذلك، فلم يوافق رضوان آغا فاتفق رأيهم أن يعرضوا للباشا بأن يعزل رضوان آغا المذكور ويتولى علي آغات الينكجرية سابقاً، وأن يعزل سليمان كتخدا الجاويشية ويولي عوضه إسمعيل آغا تابع إبراهيم بك، فامتنع الباشا من ذلك وكان اختيارية الجملية توافقوا مع الأمراء الصناجق على عزل رضوان آغا، فلما رأوا امتناع الباشا أخذوا الصندوق من منزل رضوان آغا واجتمعوا بمنزل باشجاويش، واجتمع أهل كل وجاق ببابهم واستمروا على ذلك أياماً. وأما الينكجرية الذين انتقلوا إلى العزب فأنهم اجتمعوا بباب العزب وقطعوا الطريق الموصلة إلى القلعة ومنعوا من يريد الطلوع إلى باب الينكجرية من العسكر والأتباع، ولم يبق في الطريق الموصلة إلى القلعة إلا باب المطبخ، ثم توجهوا للسواقي لأجل منع الماء عن القلعة، فمنعهم العسكر من الوصول إليها، فكسروا كشب السواقي التي بعرب اليسار وقطعوا الأحبال والقواديس، ثم إن نفراً من أنفار الينكجرية أراد الطلوع من طريق المحجر فضربوه وشجوا رأسه ومنعوه، فمضى من طريق الجبل ودخل من باب المطبخ واجتمع بإفرنج احمد وبقية الينكجرية وعرفهم حاله، فأخذه جماعة منهم وعرضوا أمره على خليل باشا وقاضي العسكر، فقال هؤلاء صاروا بغاة خارجين عن الطاعة حيث فعلوا ذلك ومنعونا الماء والزاد وأخافوا الناس وسلبوهم، فقد جاز لنا قتالهم ومحاربتهم وذلك سابع عشر صفر، ثم أن احمد أوده باشا استأذن الباشا في محاربة باب العزب وضربهم بالمدافع والمكاحل فأذن له في ذلك.
ومن ذلك الوقت تعوق القاضي عن النزول وأخافوه واستمر مع الباشا إلى انقضاء الفتنة مدة سبعين يوماً، ورجع إفرنج احمد وشرع في المحاربة وضرب على باب العزب بالمدافع، وذلك من بعد الزوال إلى بعد العشاء، وقتل من طائفة العزب أربعة أنفار بالمحجر. ثم في صبيحة ذلك اليوم اجتمع من الأمراء الصناجق الأمير ايواز بك أمير الحج والأمير إبراهيم أبو شنب وقانصوه بك ومحمود بك ومحمد بك تابع قيطاس بك الدفتردار، واتفقوا على أن يلبسوا آلة الحرب ويذهبوا إلى الرميلة معونة للعزب على الينكجرية، فأخبروا أن أيوب بك ركب مدافع على طريق المارين على منزله وعلى قلعة الكبش وربما أنهم إذا طلعوا إلى الرميلة يذهب أيوب بك وينهب منازلهم، فامتنعوا من الركوب وجلسوا في منازلهم بسلاحهم خوفاً من طارئ. واستمر إفرنج احمد يحارب ثلاثة أيام بلياليها، وأجتمع على رضوان آغا طائفة من نفره وتذاكروا فيمن كان سبباً لإثارة الفتنة. فقالوا سليم جربجي ومحمد أفندي بن طلق ويوسف أفندي واحمد جربجي توالى، فقالوا لا نرضى هؤلاء الأربعة بعد اليوم أن يكونوا اختيارية علينا، ثم ركبوا وتوجهوا إلى منزل قيطاس بك وأرسلوا من كل بلك اثنين من الاختيارية إلى منزل أيوب بك يطلبون رضوان آغا فاركبوه في موكب عظيم وكتبوا تذاكر للأربع الاختيارية المذكورين بأنهم يلزمون بيوتهم ولا يركبون لأحد ولا يجتمع بهم أحد. ثم ركب رضوان آغا إلى منزل أيوب بك وتذاكروا في الصلح وكتبوا تذكرة لاحمد أوده باشا بأبطال الحرب، فأبى من الصلح فكتبوا عرضاً إلى الباشا عن لسان الصناجق وآغوات الوجاقات الخمس رفع المحاربة، فأرسل الباشا إلى الينكجرية فامتثلوا أمره وأبطلوا الحرب وضرب المدافع، ثم أن الصناجق والآغوات أرسلوا يطلبون جماعة من اختيارية الينكجرية ليتكلموا معهم في الصلح، فأجابوا إلى الحضور غير أنهم تعللوا إلى الحضور بانقطاع الطريق من العسكر المقيمين بالمحجر، فأرسلوا إلى حسن كتخدا العزب فأرسل إليهم من أحضرهم وخلت الطريق، فأجتمع رأي الينكجرية على إرسال حسن كتخدا سابقاً وأحمد بن مقز كتخدا سابقاً أيضاً فاجتمعوا بالعسكر والصناجق بمنزل إسمعيل بك، وحضر معهم جميع أهل الحل والعقد، وتشاوروا في إخماد هذه الفتنة وأرسلوا إلى باب الينكجرية فقالوا نحن لا نأبى الصلح بشرط أن هؤلاء الثمانية الذين كانوا سبباً لإثارة هذه الفتنة لا يكونون في باب العزب بل يذهبون إلى وجاقاتهم الأصلية، ولا يقيمون فيه، وأن يسلوا الأمير الاخميمي للباشا يفعل فيه رأيه فأبى أهل باب العزب ذلك ولم يرضوه، فأرسل الأمراء الصناجق كتخداتهم إلى إفرنج أحمد ومعهم اختيارية الوجاقات الخمسة يشفعون عنده بأن الأنفار والثمانية يرجعون كما ذكرتم إلى وجاقاتهم، ويعفون من النفي ومن طلب الأمير حسن، فلم يوافق إفرنج أحمد على ذلك، وقال أن لم يرضوا بشرطي وإلا حاربتهم ليلاً ونهاراً إلى أن أخفى آثار ديار العزب فتفرقوا على غير صلح، ثم أجتمع الأمراء الصناجق والآغوات في رابع شهر ربيع بمنزل إبراهيم بك بقناطر السباع، وتذاكروا في إجراء الصلح على كل حال، وكتبوا حجة على أن من صدر منه بعد اليوم ما يخالف رضا الجماعة يكون خصم الجماعة المذكورين جميعاً. وكلموا أيوب بك أن يرسل إلى إفرنج أحمد بصورة الحال وأن يمنع المحاربة إلى تمام الأمر المشروع، فبطل الحرب نحو خمسة عشر يوماً، وأخذ إفرنج أحمد مدة هذه الأيام في تحصين جوانب القلعة وعمل متاريس ونصب مدافع وتعبية ذخيرة وجبخانة، ملأوا الصهاريج، وحضر في أثناء ذلك محمد بك حاكم الصعيد ونزل بالبساتين، فأقام ثلاثة أيام، ودخل في اليوم الرابع ومعه السواد الأعظم من العرب والمغاربة والهوارة ونزل ببيت آق بردى بالرميلة وحارب من جامع السلطان حسن من منزل يوسف آغات الجراكسة سابقاً، فلم يظفر وقتل من جماعته نحو ثلاثين نفراً، وظهر عليه محمد بك المعروف بالصغير تابع قيطاس بك مع من أنضم إليه من أتباع إبراهيم بك وايواز بك ومماليكه، وكانوا تترسوا في ناحية سوق السلاح ووضعوا المتاريس في شبابيك الجامع، وانتقل من محله وذهب إلى طولون وتترس هناك، وهجم على طائفة العزب الذين كانوا بسبيل المؤمن على حين غفلة وصحبته ذو الفقار تابع أيوب بك، فوقع بينهم مقتلة عظيمة من الفريقين، فلم يطق العزب المقاومة فتركوا السبيل وذهبوا إلى باب العزب، وربط محمد بك جماعة من عسكره في مكانهم. ثم أن الشيخ الخليفي طلع إلى باب الينكجرية وتكلم مع أحمد أوده باشا والاختيارية في أمر الصلح، فقام عليه إفرنج أحمد وأسمعه ما لا يليق، وأرسل إلى الطبجية وأمرهم بضرب المدافع على حين غفلة، فانزعج الناس وقاموا وقام الشيخ ومضى، وأما سكان باب العزب فانهم أخذوا ما أمكنهم من أمتعتهم وتركوا منازلهم ونزلوا المدينة وتفرقوا في حارات القاهرة. وحصل عند الناس خوف شديد وأغلقوا الوكائل والخانات والأسواق، ورحل غالب السكان القريبين من القلعة، مثل جهة الرميلة والحطابة والمحجر، خوفاً من هدم المنازل عليهم، وكان الأمر كما ظنوه فإن غالبهم هدم من المدافع واحترق، والذي سلم منها حرقه عسكر طوائف الينكجرية بالنار، ولم يصب باب العزب شيء من ذلك ما عدا مجلس الكتخدا فإنه انهدم منهم جانب وكذلك موضع الآغا لا غير، ثم أن إفرنج أحمد توافق مع أيوب بك وعينوا عمر آغا جراكسة وأحمد تفكجيان ورضوان آغا جمليان، فقعدوا بمن أنضم إليهم بالمدرسة بقوصون وجامع مزدادة بسويقة العزى وجامع قجماس بالدرب الأحمر ليقطعوا الطريق على العزب، واختار إفرنج أحمد نحو تسعين نفراً من الينكجرية وأعطى كل شخص ديناراً طرلي وأرسلهم بعد الغروب إلى الأماكن المذكورة، فأما رضوان آغا فإنه تعلل واعتذر عن الركوب، وأما أحمد آغا فإنه توجه إلى المحل الذي عين له فتحارب مع طائفة من الصناجق والعزب في الجنابكية وأما الذين ربطوا بجامع مزداة فلم يأتهم أحد إلى الصباح فأخذوا الفطور من الذاهبين به إلى باب العزب. زب، وربط محمد بك جماعة من عسكره في مكانهم. ثم أن الشيخ الخليفي طلع إلى باب الينكجرية وتكلم مع أحمد أوده باشا والاختيارية في أمر الصلح، فقام عليه إفرنج أحمد وأسمعه ما لا يليق، وأرسل إلى الطبجية وأمرهم بضرب المدافع على حين غفلة، فانزعج الناس وقاموا وقام الشيخ ومضى، وأما سكان باب العزب فانهم أخذوا ما أمكنهم من أمتعتهم وتركوا منازلهم ونزلوا المدينة وتفرقوا في حارات القاهرة. وحصل عند الناس خوف شديد وأغلقوا الوكائل والخانات والأسواق، ورحل غالب السكان القريبين من القلعة، مثل جهة الرميلة والحطابة والمحجر، خوفاً من هدم المنازل عليهم، وكان الأمر كما ظنوه فإن غالبهم هدم من المدافع واحترق، والذي سلم منها حرقه عسكر طوائف الينكجرية بالنار، ولم يصب باب العزب شيء من ذلك ما عدا مجلس الكتخدا فإنه انهدم منهم جانب وكذلك موضع الآغا لا غير، ثم أن إفرنج أحمد توافق مع أيوب بك وعينوا عمر آغا جراكسة وأحمد تفكجيان ورضوان آغا جمليان، فقعدوا بمن أنضم إليهم بالمدرسة بقوصون وجامع مزدادة بسويقة العزى وجامع قجماس بالدرب الأحمر ليقطعوا الطريق على العزب، واختار إفرنج أحمد نحو تسعين نفراً من الينكجرية وأعطى كل شخص ديناراً طرلي وأرسلهم بعد الغروب إلى الأماكن المذكورة، فأما رضوان آغا فإنه تعلل واعتذر عن الركوب، وأما أحمد آغا فإنه توجه إلى المحل الذي عين له فتحارب مع طائفة من الصناجق والعزب في الجنابكية وأما الذين ربطوا بجامع مزداة فلم يأتهم أحد إلى الصباح فأخذوا الفطور من الذاهبين به إلى باب العزب.
وفي أثناء ذلك نزل رجل أوده باشا من العزب من السلطان حسن يريد منزله، فقبض عليه طائفة من الأخصام وسلبوه ثيابه وتركوه بالقميص وأرسلوه إلى إفرنج أحمد، فلما بلغ العزب ذلك أرسلوا طائفة منهم إلى المقيمين بجامع مزدادة فدخلوا من بيت الشريف يحيي بن بركات ونقبوا منزل عمر كتخدا مستحفظان إذ ذاك وما بجواره من المنازل، إلى أن وصلوا منزل مراد كتخدا. فبمجرد ما رآهم العسكر الذين بجامع مزدادة فروا وأما عمر آغات جراكسة المقيم بجامع قجماس فإنه وزع أتباعه جهة باب زويلة وجهة التبانة، فحصل لأهل تلك الخطة خوف شديد خصوصاً من كان بيته بالشارع، فأرسلت العزب صالح جربجي الرزاز بجملة من عسكر العزب ومن أنضم إليهم من الينكجرية الذين انقلبوا إلى العزب كأتباع الأمير حسن باشجاويش سابقاً والأمير حسن جاويش تابع القزدغلي والأمير حسن جلب كتخدا وجماعة محمد جاويش كدك، فحاربوا مع من بجامع قجماس واستولى صالح جربجي عليه وعلى المتاريس التي بشبابيكه، وملك الأمير حسن جاويش تابع القزدغلي جامع المرداني وأقام به وحسن جاويش جلب أقام بجامع مع أصلم، وانتشرت طوائفهم بتلك الاخطاط والأماكن فاطمأن الساكنون بها، وأما عمر آغا الجراكسة فإنه لما فر من جامع قجماس ذهب إلى جامع المؤيد داخل باب زويلة، ثم أن محمد بك أرسل بطلبه فركب ومر على أحمد آغا التفكجية فأركبه معه وذهبا إلى محمد بك الصعيدي بالصليبية، وحصل لأهل خط قوصون خوف عظيم بسبب إقامة أحمد آغا بالسلمانية، ورحل غالبهم من المنازل، فلما رحل عنهم اطمأنوا وتراجعوا وحضرت طائفة من المتفرقة إلى محل أحمد آغا التفكجية وعملوا متاريس على رأس عطفة الحطب، ونكثوا هناك أياماً قلائل ثم رحلوا عنها. فأتى علي كتخدا الساكن بالداودية بطائفة من العزب، فتملكوا ذلك الموضع وجلسوا به ثم أن طائفة من المتفرقة والاسباهية هجموا على منزل الأمير قرا إسمعيل كتخدا مستحفظان، فدخلوا من بيت مصطفى بك بن ايواز ونقبوا الحائط بينه وبين منزل قرا إسمعيل كتخدا، فلما وصل الخبر إلى العزب عينوا له بيرقاً من عسكر العزب ورئيسهم أحمد جربجي تابع ظالم علي كتخدا فلم يمكنه الدخول من جهة الباب، فخرق صدر دكان وتوصل منه إلى منزل أحمد أفندي كاتب الجراكسة سابقاً، ثم نقبوا منه محلاً توصلوا منه إلى منزل إسمعيل كتخدا ودخلوا على طائفة البغاة فوجدوهم مشغولين في نهب أثاث المنزل المذكور، فهجموا عليهم هجمة واحدة فألقوا ما بأيديهم من السلب ورجعوا القهقرى إلى المحل الذي دخلوا منه من بيت مصطفى بك، فتبعوهم وتقاتل الفريقان إلى أن كانت الدائرة على المتفرقة والاسباهية ونهب العزب منزل مصطفى بك لكونه مكن البغاة من الدخول إلى منزله ولكونه كان مصادقاً لأيوب بك. ثم أن أحمد جربجي المذكور أنتقل بمن معه من العسكر إلى قوصون ودخل جامع الماس وتحصن به. وكان محمد بك حاكم جرجا يمر من هناك ويمضي إلى الصليبة، فانتهز أحمد جربجي فرصة هو أنه وجد منزل حسين كتخدا الجزايرلي خالياً فدخل فيه فرأى داخله قصراً متصلاً بمنزل محمد كتخدا عزبان المعرف بالبيرقدار بعلو دهليز منزله وطبقاته تشرف على الشارع، فكمن فيه هو وطائفة ممن معه ليغتال محمد بك إذا مر به، وإذا بمحمد بك قد خرج من عطفة الحطب ماراً إلى جهة الصليبة، فضربوه بالبندق فأصيب أربعة من طائفته، فقتلوا فظن أن الرصاص أتاه من منزل محمد كتخدا البيرقدار، فوقف على بابه وأضرم النار فيه فاحترق أكثر المنزل ونهبوا ما فيه من أثاث ومتاع. ثم أن النار اتصلت بالأماكن المجاورة له والمواجهة فاحترقت البيوت والرباع والدكاكين التي هناك من الجهتين من جامع ألماس إلى تربة المظفر يميناً وشمالاً وأفسدت ما بها من الأمتعة، والذي لم يحترق نهبته البغاة، وخرجت النساء حواسر مكشفات الوجوه، فاستولى أحمد جربجي على جامع ألماس، وعلي كتخدا الساكن بالداودية أقام بالمدرسة السليمانية، وأما أطراف القاهرة وطرقها فإنها تعطلت من المارة وعلى الخصوص طريق بولاق ومصر العتيقة والقرافة، لكون أيوب بك أرسل إلى حبيب الدجوى يستعين به، فحضر منهم طائفة وكذلك أخلاط الهوارة الذين حضروا من الصعيد صحبة محمد بك، فاحتاطوا بالأطراف يسلبون الخلق واستاقوا جمال السقائين حتى كاد أهل مصر يموتون عطشاً، وصار العسكر فرقتين ايواز بك وقيطاس بك الدفتردار وإبراهيم بك أمير الحج سابقاً ومحمد بك وقانصوه بك وعثمان بك بن سليمان بك ومحمود بك وبلكات الاسباهية الثلاثة والجاويشية والعزب عصبة واحدة، وأيوب بك ومحمد الكبير وآغوات الاسباهية من غير الأنفار ومحمد آغا متفرقة باشا وأهل بلكه وسليمان آغا كتخدا الجاويشية وبلك الينكجرية المقيمين بالقلعة صحبة إفرنج أحمد والباشا وقاضي العسكر الجميع عصبة واحدة، وأخذوا عندهم نقيب الأشراف بحيلة واحتبسوه عندهم وأغلقوا جميع أبواب القلعة ما عدا باب الجبل، وامتنع الناس من النزول من القلعة والطلوع إليها إلا من الباب المذكور، واستمر إفرنج أحمد ومن معه يضربون المدافع على باب العزب ليلاً ونهاراً، وبباب العزب خلق كثيرون منتشرون حوله وما قاربه من الحارات ورتبوا لهم جوامك تصرف عليهم كل يوم، فلما طال الأمر أجتمع الأمراء الصناجق بجامع بشتك بدرب الجماميز واتفقوا على عزل الباشا وإقامة قائمقام من الأمراء، فأقاموا قانصوه بك قائمقام نائباً ولوا آغوات البلكات وهو الاسباهية الثلاثة، فولوا على الجملية صالح آغا وعلى الجراكسة مصطفى آغا وعلى التفكجية محمد آغا بن ذي الفقار بك وإسمعيل آغا جعلوه كتخدا الجاويشية وعبد الرحمن آغا متفرقة باشا، وقلدوا الزعامة الأمير حسن الذي كان زعيماً، وعزله الباشا بعبد الله آغا فلما أحكموا ذلك بلغ الخبر طائفة الينكجرية الذين بالقلعة توجهوا إلى خليل باشا وأخبروه بالصورة فكتب لآغوات البلكات الثلاث ومتفرقة باشا يأمرهم بمحاربة الصناجق ومن معهم لكونهم بغاة خارجين على نائب السلطان. ثم اتفق مع إفرنج أحمد على اتخاذ عسكر جديد يقال لهم سردن كجدي، ويعطى لكل من كتب اسمه خمسة دنانير وخمسة عثامنة، فكتبوا ثمانمائة شخص، وعلى كل مائة بيرقدار ورئيس يقال له آغات السردن كجدي. ثم أن محمد بك الصعيدي أتفق مع إفرنج احمد بأن يهجم على طائفة العزب من طريق قراميدان ويكسر باب العزب المتوصل منه إلى قراميدان ويهجم على العزب. ووصل خبر ذلك إلى العزب فاستعدوا له وكمنوا قريباً من الباب المذكور فلما كان بعد العشاء الأخيرة هجموا على الباب المذكور، وكان العزب أحضروا شيئا كثيراً من حطب القرطم وطلوه بالزيت والقار والكبريت، فلما تكامل عسكر محمد بك أوقدوا النار في ذلك الحطب فأضاء لهم قراميدان وصار كالنهار، ثم ضربوهم بالبندق ففروا، فصار كل من ظهر لهم ضربوه فقتلوا منهم طائفة كثيرة وولوا منهزمين، ثم أن قانصوه بك صار يكتب بيورلديات وأوامر يرسلها إلى محمد بك الصعيدي يأمره بالتوجه إلى ولايته آمناً على نفسه وتحصيل ما عليه من الأموال السلطانية، فأرعد وأبرق، ثم أن جماعة من العزب أخذوا حسن الوالي المولى من طرف قائمقام مصر وذهبوا وصحبتهم جماعة من أتباع الأمراء الصناجق إلى باب الوالي ليملكوه، فلما بلغ الخبر عبد الله آغا الوالي أخذ فرشه وفر إلى بيت أيوب بك وفر الأود باشا أيضاً، فلما لم تجد العزب أحداً في بيت الوالي توجهوا لمنزل عبد الله الوالي لينهبوه، فقام عليهم جماعة من أتباع سليمان كتخدا الجاويشية ومن بجوارهم من الجند فهزموا العزب وقتلوا منم رجلاً، فأقام حسن الوالي بباب قيظاس بك الدفتردار، فلما اتسع الخرق أرسل الباشا إلى إبراهيم بك وإيواظ بك وقيطاس بك يطلبهم إلى الديوان، ليتداعوا مع الينكجرية، فلما حضر تابع الباشا وقرأ عليهم الفرمان، أجابوا بالسمع والطاعة واعتذروا عن الطلوع بانقطاع الطرق من الينكجرية وترتيب المدافع، ولولا ذلك لتوجهنا إليه. فلما يئس الباشا منهم أتفق مع أيوب بك ومن انضم إليه من العسكر على محاربتهم وبرز الجميع إلى خارج البلد. بك أمير الحج سابقاً ومحمد بك وقانصوه بك وعثمان بك بن سليمان بك ومحمود بك وبلكات الاسباهية الثلاثة والجاويشية والعزب عصبة واحدة، وأيوب بك ومحمد الكبير وآغوات الاسباهية من غير الأنفار ومحمد آغا متفرقة باشا وأهل بلكه وسليمان آغا كتخدا الجاويشية وبلك الينكجرية المقيمين بالقلعة صحبة إفرنج أحمد والباشا وقاضي العسكر الجميع عصبة واحدة، وأخذوا عندهم نقيب الأشراف بحيلة واحتبسوه عندهم وأغلقوا جميع أبواب القلعة ما عدا باب الجبل، وامتنع الناس من النزول من القلعة والطلوع إليها إلا من الباب المذكور، واستمر إفرنج أحمد ومن معه يضربون المدافع على باب العزب ليلاً ونهاراً، وبباب العزب خلق كثيرون منتشرون حوله وما قاربه من الحارات ورتبوا لهم جوامك تصرف عليهم كل يوم، فلما طال الأمر أجتمع الأمراء الصناجق بجامع بشتك بدرب الجماميز واتفقوا على عزل الباشا وإقامة قائمقام من الأمراء، فأقاموا قانصوه بك قائمقام نائباً ولوا آغوات البلكات وهو الاسباهية الثلاثة، فولوا على الجملية صالح آغا وعلى الجراكسة مصطفى آغا وعلى التفكجية محمد آغا بن ذي الفقار بك وإسمعيل آغا جعلوه كتخدا الجاويشية وعبد الرحمن آغا متفرقة باشا، وقلدوا الزعامة الأمير حسن الذي كان زعيماً، وعزله الباشا بعبد الله آغا فلما أحكموا ذلك بلغ الخبر طائفة الينكجرية الذين بالقلعة توجهوا إلى خليل باشا وأخبروه بالصورة فكتب لآغوات البلكات الثلاث ومتفرقة باشا يأمرهم بمحاربة الصناجق ومن معهم لكونهم بغاة خارجين على نائب السلطان. ثم اتفق مع إفرنج أحمد على اتخاذ عسكر جديد يقال لهم سردن كجدي، ويعطى لكل من كتب اسمه خمسة دنانير وخمسة عثامنة، فكتبوا ثمانمائة شخص، وعلى كل مائة بيرقدار ورئيس يقال له آغات السردن كجدي. ثم أن محمد بك الصعيدي أتفق مع إفرنج احمد بأن يهجم على طائفة العزب من طريق قراميدان ويكسر باب العزب المتوصل منه إلى قراميدان ويهجم على العزب. ووصل خبر ذلك إلى العزب فاستعدوا له وكمنوا قريباً من الباب المذكور فلما كان بعد العشاء الأخيرة هجموا على الباب المذكور، وكان العزب أحضروا شيئا كثيراً من حطب القرطم وطلوه بالزيت والقار والكبريت، فلما تكامل عسكر محمد بك أوقدوا النار في ذلك الحطب فأضاء لهم قراميدان وصار كالنهار، ثم ضربوهم بالبندق ففروا، فصار كل من ظهر لهم ضربوه فقتلوا منهم طائفة كثيرة وولوا منهزمين، ثم أن قانصوه بك صار يكتب بيورلديات وأوامر يرسلها إلى محمد بك الصعيدي يأمره بالتوجه إلى ولايته آمناً على نفسه وتحصيل ما عليه من الأموال السلطانية، فأرعد وأبرق، ثم أن جماعة من العزب أخذوا حسن الوالي المولى من طرف قائمقام مصر وذهبوا وصحبتهم جماعة من أتباع الأمراء الصناجق إلى باب الوالي ليملكوه، فلما بلغ الخبر عبد الله آغا الوالي أخذ فرشه وفر إلى بيت أيوب بك وفر الأود باشا أيضاً، فلما لم تجد العزب أحداً في بيت الوالي توجهوا لمنزل عبد الله الوالي لينهبوه، فقام عليهم جماعة من أتباع سليمان كتخدا الجاويشية ومن بجوارهم من الجند فهزموا العزب وقتلوا منم رجلاً، فأقام حسن الوالي بباب قيظاس بك الدفتردار، فلما اتسع الخرق أرسل الباشا إلى إبراهيم بك وإيواظ بك وقيطاس بك يطلبهم إلى الديوان، ليتداعوا مع الينكجرية، فلما حضر تابع الباشا وقرأ عليهم الفرمان، أجابوا بالسمع والطاعة واعتذروا عن الطلوع بانقطاع الطرق من الينكجرية وترتيب المدافع، ولولا ذلك لتوجهنا إليه. فلما يئس الباشا منهم أتفق مع أيوب بك ومن انضم إليه من العسكر على محاربتهم وبرز الجميع إلى خارج البلد.
فلما كان يوم الأحد ثالث ربيع الأول أرسلوا أيوب بك ومحمد بك إلى العزبان ليأخذوا مال السقائين وحميرهم ومنع الماء عن البلد، فأخذوا جميع ما وجدوه، فعز الماء ووصل ثمن القربة خمسة أنصاف فضة فأمر الأمراء الآخرون طائفة من العسكر أن يركبوا إلى جهة قصر العيني ويستخلصوا الجمال ممن نهبهم، فتوجهوا وجلسوا بالمساطب ينتظرون من يمر عليهم بالجمال. فلما بلغ محمد بك حضورهم هناك لمع طائفة هوارة وهجموا عليهم وهم غير مستعدين فاندهشوا ودافعوا عن أنفسهم ساعة ثم فروا، وتأخر عنهم جماعة لم يجدوا خيلهم لكون سواسهم أخذوها وفروا فقتلهم محمد بك وأرسل رؤوسهم للباشا فانسر سروراً عظيماً وأعطى ذهباً كثيراً.
فلما رجع المنهزمون إلى منزل قانصوه بك وإيواظ بك لم يسهل عليهم ذلك واتفقوا على البروز إليهم، فركبوا في يوم الاثنين رابع عشر ربيع الثاني وخرج الفريقان إلى جهة قصر العيني والروضة، فتلاقيا وتحاربا وتقاتلا قتالاً عظيماً تجندلت فيه الأبطال وقتل من الجند خاصة زيادة عن الأربعمائة نفر من الفريقين خلاف العربان والهوارة وغيرهم. وقصد إيواظ بك ومحمد بك الصعيدي فأنهزم إلى جهة المجراة فساق خلفه، وكان الصعيدي قد أجلس أنفاراً فوق المجراة مكيدة وحذراً، فضربوا على إيواظ بك بالرصاص ليردوه فأصيب برصاصة في صدره فسقط عن جواده وتفرقت جموعه، وأخذ الأخصام رأسه. وبينما القوم في المعركة إذ ورد عليهم الخبر بموت إيواظ بك فانكسرت نفوسهم، وذهبوا في طلبه فوجدوه مقتولاً مقطوع الرأس، فحمله أتباعه ورجع القوم إلى منازلهم. ولما قطعوا رأس إيواظ بك وذهبوا بها إلى محمد بك قال: هذه رأس من قالوا رأس قليدهم إيواظ بك فأخذها وذهب بها عند أيوب بك ورضوان. فقال أيوب بك: هذه رأس من قال رأس قليدهم. فبكى أيوب بك وقال: حرم علينا عيش مصر.
قال محمد بك: هذا رأس قليدهم وراحت عليهم. قال أيوب بك: أنت ربيت في أين أما تعلم أن إيواظ بك وراءه رجال وأولاد ومال. وهذه الدعوة ليس للقاسمية فيها جناية والآن جرى الدم فيطلبون ثأرهم ويصرفون مالاً ولا يكون إلا ما يريده الله ولما ذهبوا بالرأس إلى الباشا فرح فرحاً شديداً وظن تمام الأمر له ولمن معه، وأعطى ذهباً وبقاشيش ودفنوا إيواظ بك وطلبوا من أيوب بك الرأس فأرسلها لهم بعد ما سلخها الباشا فدفنوها مع جثته. ثم أن أيوب بك كتب تذكرة وأرسلها إلى إبراهيم أبو شنب يعزيه في أيواظ بك ويقول له: أن شاء الله تعالى بعد ثلاثة أيام نأخذ خاطر الباشا ويقع الصلح. وأرادوا بذلك التثبيط حتى يأخذوا من الباشا دراهم يصرفونها ويرتبوا أمرهم.
وأما ما كان من أمر أتباع إيواظ بك فركب يوسف الجزار وأخذ معه إسمعيل بن إيواظ بك المتوفى وأحمد كاشف وذهبوا عند قانصوه بك فوجدوا عنده إبراهيم بك وأحمد بك مملوكه وقيطاس بك وعثمان بك بارم ذيله ومحمد بك الصغير المعروف بقطامش جالسين، وفيهم الحزن والكآبة. فلما استقر بهم الجلوس بكى قيطاس بك، فقال له يوسف الجزار: وما فائدة البكاء دبروا أمركم. قالوا: كيف العمل؟. قال يوسف الجزار: هذه الواقعة ليس لنا فيها علاقة أنتم فقارية في بعضكم وأننا الآن إنجرحنا ومات منا واحد خلف ألفاً وخلف مالاً اعملوني صنجقاً وأمير حاج وسر عسكر وأعملوا ابن سيدي إسمعيل صنجقاً يفتح بيت أبيه وفيه البركة، وأعطوني فرماناً من الذي جعلتموه قائمقام وحجة من نائب الشرع الذي أقمتموه أيضاً على أن الذي سقطت عدالته يسقط عنه حلوان البلاد، ونحن نصرف الحلوان على العسكر، والله يعطي النصر لمن يشاء من عباده. ففعلوا ذلك، وراضوا أمورهم في الثلاثة أيام وتهيأ الفريقان للمبارزة، وخرجوا يوم السبت تاسع عشر ربيع الثاني وكان أيوب بك حصن منزله، فاتفق رأيهم على محاربة العسكر المجتمعة أولاً ثم محاصرة المنزل، فخرج أيوب بك على جهة طولون ووقعت حروب وأمور ثم رجعوا إلى منازلهم، فلما رأى طائفة العزب تطاول الأمر وعدم التوصل إلى القلعة وامتناع من فيها وضرب المدافع عليهم ليلاً ونهاراً، أجمع رأيهم على أن يولوا كتخدا على الينكجرية ويجلسوه بباب الوالي بطائفة من العسكر وينادوا في الشوارع بإن كل من كانت له علوفة في وجاقات مستحفظان يأتي تحت البيرق بالبوابة، ومن لم يأت بعد ثلاثة أيام ينهب بيته. ففعلوا ذلك وعملوا حسن جاويش قريب المرحوم جلب خليل كتخدا لكونها نوبته، وألبسه قانصوه بك قائمقام قفطاناً وركب وأمامه الوالي والبيرق والعسكر والمنادي أمامه ينادي بما ذكر إلى أن نزل بيت الوالي وأحضروا الأوده باشا المتولي إذ ذاك وأجلسوه محله وطاف البلد بطائفته وكذلك العسكر.
وفي يوم الخميس هجمت الينكجرية من البذرم على باب العزب ومعهم محمد بك الكبير وكتخدا الباشا وإفرنج أحمد، فعندما نزل أولهم من البذرم وكان العزب قد أعدوا في الزاوية التي تحت قصر يوسف مدفعين ملآنين بالرش والفلوس الجدد، فضربوا عليهم فوقع محمد آغا سر كدك والبيرقدار وأنفار منهم فولوا منهزمين يطأ بعضهم بعضاً. فأخذت العزب رؤوس المقتولين فأرسلوها إلى قانصوه بك. ثم أن قائمقام والصناجق اتفقوا على تولية علي آغا مستحفظان لضبطه واهتمامه، فلما أرسلوا له أبى أن يقبل ذلك فتغيب من منزله، فركب يوسف بك الجزار ومحمد بك الصغير وعثمان بك في عدة كبيرة ودخلوا على منزل علي آغا لم يجدوه، وأخبروا بالمكان الذي هو فيه فطلبوه، فأتى بعد امتناع وتخويف، وتوجه معهم إلى قائمقام فالبسه قفطان الآغاوية يوم الخميس رابع عشري ربيع الثاني، وعاد إلى منزله بالقفطان يقدمه العسكر مشاة بالسلاح والملازمون معلنين بالتكبير وبلفظ الجلالة، كما هي عادتهم في المواكب. وفي صبيحة ذلك اليوم عين قائمقام بمعرفة حسن كتخدا مستحفظان طائفة من العسكر إلى بولاق صحبة أحمد جربجي ليجلسوه في التكية، وصحبته والي بولاق وآغا من المتفرقة عوضاً عن آغات الرسالة الذي بها من جانب الباشا. فأجلسوه في منزله ونهبوا ما وجدوه لأغات الرسالة الأول من فرش وأمتعة وخيل وغير ذلك.
وفي صبيحة يوم السبت سادس عشريه خرج الفريقان إلى خارج القاهرة من باب قناطر السباع، واجتمعوا بالقرب من قصر العيني ومعهم المدافع وآلات الحرب فتحارب الفريقان من ضحوة النهار إلى العصر، وقتل من الفريقين من دنا أجله، وأيوب بك ومحمد بك بالقصر. ثم تراجع الفريقان إلى داخل البلد وتأخرت طائفة من العزب، فأتى إليهم محمد بك الصعيدي وأحتاط بهم وحاصرهم وبلغ الخبر قانصوه بك فأرسل إليهم يوسف بك ومحمد بك وعثمان بك فتقاتلوا مع محمد بك الصعيدي وهزموه وتبعوه إلى قنطرة السد، وقد كان أيوب بك داخل التكية المجاورة لقصر العيني، فلما رأى الحرب ركب جواده ونجا بنفسه، فبلغ يوسف بك أنه بالتكية فقصدوه واحتاطوا بالقصر، فاخبرهم الدراويش بذهابه، فلم يصدقوهم، ونهبوا القصر وأخربوه وأحرقوه وعادوا إلى منازلهم.
وفي صبيحة يوم الأحد ذهب يوسف بك الجزار ونهب غيط إفرنج احمد الذي بطريق بولاق، ثم اجتمعوا في محل الحرب وتحاربوا، ولم يزالوا على ذلك وفي كل يوم يقتل منهم ناس كثير وفي ثاني جمادى الأولى أجتمع الأمراء الصناجق بمنزل قائمقام وتنازعوا بسبب تطاول الحرب وامتداد الأيام، ثم اتفقوا على أن ينادوا في المدينة بأن من له اسم في وجاق من الوجاقات السبعة ولم يحضر إلى بيت آغاته نهب ماله وقتل. وأمهلوهم ثلاثة أيام، ونودي بذلك في عصريتها، وكتب قائمقام بيورلدي إلى من في القلعة من طائفة الينكجرية والكتخدائية والجربجية والاوده باشية والنفر بأننا أمهلناكم ثلاثة أيام، فمن لم ينزل منكم بعدها ولم يمتثل نهبنا داره وهدمناها وقتلنا من ظفرنا به ومن فر رفعنا اسمه من الدفتر، فتلاشى أمرهم واختلفت كلمتهم.
وفي رابعة خرج الأمراء والآغوات إلى محل الحرب وأرسلوا طائفة كبيرة من العسكر المشاة لمحاصرة منزل أيوب بك، فتحارب الفرسان إلى آخر النهار، وأما الرجالة فأنهم تسلقوا من منزل إبراهيم بك وتوصلوا إلىمنزل عمر آغا الجراكسة فتحاربوا مع من فيه إلى أن أخلوه ودخلوا فيه، وشرعوا ليلاً في نقب الربع المبني على علو منزل أيوب بك فنقبوه وكمنوا فيه. فلما كان صبيحة يوم الأحد خامس عشرة حملوا حملة واحدة على منزل أيوب بك وضربوا البنادق، فلم يجدوا من يمنعهم بل فر كل من فيه، وركب أيوب بك وخرج هارباً من باب الجبل فلم يعلم أين توجه، فملوا منزله ونهبوه مع كونه كان مستعدا، وركب في أعالي منزله المدافع وفي قلعة الكبش، فأرسل له إفرنج أحمد بيرقاً وعساكر فلم يفده ذلك شيئاً، ونهبوا أيضا منزل احمد آغا التفكجية بعدما قتلوه ببيت قائمقام، ولحق من لحق بأيوب بك وفر الجميع إلى جهة الشام، وفر محمد بك إلى جهة الصعيد، ووقع النهب في بيوت من كان في حزبهم، ونهبوا بيت يوسف آغا ناظر الكسوة سابقاً وبيت محمد آغا متفرقة باشا وبيت محمد بك الكبير وأحرقوه وبيت احمد جربجي القونيلي، وأحرقوا بيت أيوب بك وما لاصقه من الربع والدكاكين. فلما حصل ذلك واجتمع العساكر بمنزل قائمقام بالأسلحة وآلات الحرب، وذلك سادس جمادى الأولى، فأرسلوا طائفة إلى جبل الجيوشي فركبوا مدافع على محل الباشا ومدافع على قلعة المستحفظان وأحاطوا بالقلعة من أسفل، وضربوا ستة مدافع على الباشا، ورموا بنادق. فنصب الباشا بيرقاً أبيض يطلب الأمان وفر من كان داخل القلعة من العسكر. فبعضهم نزل بالحبال من السور وبعضهم خرج من باب المطبخ، فعند ذلك هجمت العساكر الخارجة على الباب ودخلوا الديوان فأرسل الباشا القاضي ونقيب الأشراف يأخذان له أمانا من الصناجق والعسكر فتلقوهما وأكرموهما وسألوهما عن قصدهما، فقالا لهم: أن الباشا يقرئكم السلام ويقول لك آنا كنا اغتررنا بهؤلاء الشياطين وقد فروا، المراد أن تعلمونا بمطلوبكم فلا نخالفكم. فقالوا لهما: اعلموه أن الصناجق والأمراء والأغوات والعسكر قد اتفقوا على عزله، وان قانصوه بك قائمقام وأما الباشا فانه ينزل ويسكن في المدينة إلى أن نعرض الأمر على الدولة ويأتينا جوابهم. فأرسل القاضي نائبه إلى الباشا يعرفه عن ذلك فأجابه بالطاعة، واستأمنهم علىنفسه وماله وأتباعه، وركب من ساعته في خوصه يقدمه قائمقام وآغات مستحفظان عن يمينه وآغات المتفرقة عن شماله واختيارية الوجاقات من خلفه وأمامه، ونزل من باب الميدان وشق من الرميلة على الصليبة والعامة قد اصطفت يشافهونه بالسب واللعن، إلى أن دخل بيت علي آغا الخازندار بجوار المظفر، وهجم العسكر على باب مستحفظان فملكوه، ونهبوا بعض أسباب حسين آغا مستحفظان. وخرج حسين آغا من المطبخ، فلما رآه يوسف بك أشار إلى العسكر فقطعوه وقطعوا إسمعيل أفندي بالمحجر وكذلك عمر آغات الجراكسة بحضرة إسمعيل بن إيواظ وخازنداره ذو الفقار وقع في عرض بلدية علي خازندار وحسن كتخدا الجلفي فحمياه من القتل، وذو الفقار هذا هو الذي قتل إسمعيل بك بن إيواظ، وصار أميراً كما يأتي ذكر ذلك في موضعه، فقتلوه بباب العزب ونزل إفرنج أحمد وكجك أحمد أوده باشا إلى المحجر متنكرين فعرفهما الجالسون بالمحجر فقبضوا عليهما وذهبوا بهما إلى باب العزب وقطعوا رؤوسهما، وذهبوا بهما إلى بيت ايواز بك. وطلع علي آغا إلى محل حكمه وطلع حسن كتخدا من باب الوالي وأمامه العساكر بالأسلحة إلى باب مستحفظان والبيرق أمامه. ونزل جاويش إلى أحمد كتخدا برمقس فوجده في بيت إسمعيل كتخدا عزبان فأخذه وطلع به إلى الباب فخنقوه وأخذوه إلى منزله في تابوت. وركب علي آغا وأمامه الملازمون بالبيرشان فطاف البلد وأمر بتنظيف الأتربة وأحجار المتاريس وبناء النقوب، وألبس قائمقام آغوات البلكات السبع قفاطين، وطلع الذين كانوا بباب العزب من الينكجرية إلى بابهم وعدتهم ستمائة إنسان.
وفي حادي عشر جمادى الأولى، لبس يوسف بك الجزار على إمارة الحاج ومحمود بك على السويس وعين يوسف بك المذكور مصطفى آغات الجراكسة للتجريدة على الشرقية.
وفي رابع عشره لبس محمد بك الصغير على ولاية الصعيد وخرج من بيته بموكب إلى الأثر وصحبته الطوائف الذين عينوا معه من السبع بلكات بسر دارياتهم وبيارقهم، وعدتهم خمسمائة نفر منهم مائتان من الينكجرية والعزب وثلاثمائة نفر من الخمس بلكات، أعطوا كل نفر من المائتين ألف نصف فضة ترحيلة ولكل شخص من الثلاثمائة ألف وخمسمائة نصف فضة، وسافروا رابع جمادى الآخرة وكان محمد بك الكبير خرج مقبلاً وصحبته الهوارة فخرج وراءه يوسف بك الجزار وعثمان بك بارم ذيله ومحمد بك قطامش فوصلوا دير الطين، فلاقاهم شيخ الترابين فأخبرهم أنه مر من ناحية التبين نصف الليل فرجعوا إلى منازلهم، وبلغهم في حال رجوعهم أن خازندار رضوان آغا تخلف عند الدراويش بالتكية فقبضوا عليه وقطعوا دماغه، ولم يزل محمد بك الصعيدي حتى وصل اخميم وصحبته الهوارة وقبل ما بها من الشكاف ونهب البلاد وفعل أفعالاً قبيحة. ثم ذهب إلى أسيوط وأرسل إلى قائمقام جرجا، فتصرف في جميع تعلقاته وأرسلها إليه نقوداً ونزل مختفياً إلى بحري ومر من أنيابة نصف الليل، ولم يزل سائراً إلى دمياط، ونزل في مركب إفرنجي وطلع إلى حلب ووصل خبره إلى السردار، فجمع السردارة والعسكر ولحقوه على البرج فلم يدركوه، ثم أنه ركب من حلب وذهب إلى دار السلطنة من البر وكان أيوب بك ومحمد آغا متفرقة وكتخدا الجاويشة سليمان آغا وحسن الوالي وصلوا قبله وقابلوا الوزير وأعلموه بقصتهم وعرضوا عليه الفتوى، وعرض الباشا والقاضي فأكرمهم وأنزلهم في مكان ورتب لهم تعييناً. ثم أتاهم محمد بك وقابل معهم الوزير أيضاً فخلع عليه وولاه منصباً. وأما رضوان آغا فإنه تخلف ببلاد الشام ومحمد آغا الكور صحبته.
وفي تاسع عشر جمادى الأولى رجع يوسف بك ومصطفى آغا من الشرقية.
وفي سابع جمادى الآخرة تقلد محمد بك ابن إسمعيل بك ابن إيواظ بك الصنجقية، ثم أنهم اجتمعوا في بيت قائمقام وكتبوا عرضحال بصورة ما وقع وطلبوا إرسال باشا والياً على مصر، وذكروا فيه أن الخزنة تصل صحبة محمد بك الدالي وانقضت الفتنة وما حصل بها من الوقائع التي لخصنا بعضها وذكرناه على سبيل الاختصار، واستمر خليل باشا بمصر حتى حضر والي باشا وحاسبوه، وسافر في ثامن عشر جمادى الأولى سنة أربع وعشرين ومائة وألف، وكانت أيام فتن وحروب وشرور.